في قلب المدينة التي لا تنام، حيث تتشابك الأرواح كخيوط نسيج معقّد، قابلتُ الظل الذي يعيش بين الأزقة والميادين، بلا وجه ولا صوت، لكنه يعرف كلّ شيء. كنتُ أبحث عن إجابة لسؤال لطالما حيّرني: من يُشكّل ملامح المدينة، نحن أم هي؟
تحدث الظل معي بلغة العيون، وبصوت الرياح التي تعبُر بين المباني. قال: "المدينة ليست مكاناً فحسب، بل كائن حيّ يتنفس حكايات ساكنيها. كلّ صوتٍ ينادي في شارع، كلّ خطوةٍ تُطبع على الرصيف، كلّ دمعةٍ تنساب أو ضحكةٍ تُطلق، كلها تتراكم لتخلق روحاً تسكن بين الجدران والطرقات."
مشيتُ معه عبر سوق قديم، رأيتُ التجار ينادون على بضاعتهم بنفس الأصوات التي سمعتها طفلاً. قال لي: "هذا السوق هو قلب المدينة، هنا تجد أصوات الزمن المتراكم. ما بين البسطاء الذين يحملون حكاياهم، والأضواء التي تختفي خلف الغروب."
ثم أخذني إلى نهر يجري بصمت، وقال: "هذا هو شريان المدينة، يحمل أحلام الناس من طرفٍ إلى آخر، لكنه يبقى شاهداً صامتاً، لا يتوقف عن العطاء رغم كل ما يُلقى فيه."
أدركتُ حينها أن المدن ليست مجرد مبانٍ أو شوارع، بل كائنات تعيش من خلالنا، وتنمو بحكاياتنا، وربما تموت إذا تركناها خاوية.