بقلم : طارق فتحى السعدنى
يأتي شهر رجب كل عام ليذكرنا بمحطات إيمانية فريدة في حياتنا، فهو أحد الأشهر الحرم التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: " إِن عدة الشهورِ عند اللَّه اثنا عشر شهرا فِي كِتابِ اللَّه يوم خلق السماوات و الأَرْض منها أَربعة حرم" (سورة التوبة: 36).
وشهر رجب واحد من هذه الأشهر التي خصها الله بمزيد من التعظيم والحرمة.
لكن ما يجعل هذا الشهر مميزا ليس فقط قداسته الزمنية،
بل أيضا الفرص الروحانية التي يقدمها للمسلمين لتجديد علاقتهم بالله عز وجل.
هنا خلال هذا المقال سنتناول بعض الجوانب التي ربما لم يسبق أن طرحت بهذا الأسلوب.
رجب: موسم خاص للتصالح مع النفس
على الرغم من أن شهر رمضان هو ذروة المواسم الروحية، فإن رجب يشبه المقدمة الهادئة التي تمهد الطريق للنفوس للانطلاق نحو الطاعات.
يمكننا أن ننظر إلى رجب على أنه "ورشة تدريبية" تعين المسلم على الاستعداد لشهر رمضان، من خلال الصيام، والصلاة، والتوبة الصادقة.
لماذا هو شهر "البذرة"؟
ربما لم يطرح من قبل أن شهر رجب يمكن أن ينظر إليه كفصل الزراعة الروحية.
كما يزرع الفلاح بذوره في الأرض في فصل مناسب ليجني الثمار لاحقًا،
فإن المسلم يمكنه أن يزرع بذور الطاعات والعبادات في رجب ليحصد بركتها في رمضان.
الحرمة ليست فقط في الدماء
عندما نتحدث عن الأشهر الحرم، غالبا ما تتجه الأذهان إلى تحريم القتال.
ولكن ماذا عن تحريم الظلم؟
الظلم هنا ليس فقط ظلم الآخرين، بل ظلم النفس أيضا بالمعاصي والغفلة.
رجب هو دعوة صريحة لإعادة النظر في أفعالنا، والتوقف عن كل ما يثقل أرواحنا من ذنوب.
عبادات تتجدد
الصيام: من المعروف أن النبي ﷺ كان يصوم في رجب، لكنه لم يخصه بعبادات خاصة.
ومع ذلك، فإن صيام أيام فيه يعد وسيلة فعالة لكبح النفس عن شهواتها، وتهيئتها لشهر الصيام الأعظم.
الاستغفار:
يقال إن رجب هو شهر الاستغفار، حيث يتجدد العهد بين العبد وربه، ويطلب الغفران لكل ما مضى.
رجب في عيون الزمن الحديث
في عصر السرعة، أصبح الكثير منا يهمل تلك المحطات الزمنية التي تساعدنا على التوقف والتأمل. شهر رجب يعيد إلينا هذه الفرصة، ليذكرنا بأن الروح تحتاج إلى محطات شحن، وأن القرب من الله لا يحتاج سوى النية الخالصة والعمل الصادق.
رسالة رجب: جدد روحك
رجب ليس فقط شهرا للتعبد، بل هو دعوة للتوازن. تذكر أن العبادة لا تعني فقط الصلاة والصيام،
بل تشمل أيضًا بر الوالدين، والعفو عن الآخرين، ونشر الخير.
اجعل من هذا الشهر انطلاقة جديدة، وابدأ فيه عادة صغيرة تسعى للاستمرار فيها، مهما كانت بسيطة.
ختاما، رجب يأتي ليذكرنا بأن الوقت ليس مجرد أيام تمر،
بل فرصة للإصلاح، للتغيير، و للعودة إلى الله.
فلنغتنم هذا الشهر بكل ما يحمله من بركات وخيرات،
ولنجعله نقطة انطلاق نحو رمضان بروح متجددة وإيمان صادق