بقلم الاستاذ : عمرو الريدي - المحامي
لطالما اعتبر الحكم بعقوبة جناية أو جنحة نهاية فصل مهم في حياة المحكوم عليه، ولكنه للأسف يتسبب في حرمانه من حقوقه السياسية والمدنية، ويقيد فرص اندماجه مرة أخرى في المجتمع. هذا الأمر يؤثر على مكانة الفرد الاجتماعية ويجعل من الصعب عليه استعادة مكانته الطبيعية.
فقد ينجح المحكوم عليه في تحسين سلوكه والامتثال للقانون على مدار سنوات دون ارتكاب أي جرائم أخرى، ومع ذلك يظل وصم الإدانة عائقًا أمامه. لهذا جاء نظام “رد الاعتبار” كطوق نجاة وفرصة حقيقية لمنح الأفراد حقهم في البدء من جديد، حيث يتم محو الآثار الجنائية للإدانة، ليصبح المحكوم عليه وكأنه لم تصدر ضده أي أحكام سابقة، مما يساعده على استعادة حقوقه المدنية والسياسية والاندماج مرة أخرى في المجتمع.
ما هو رد الاعتبار؟
يُعرف “رد الاعتبار” بأنه نظام قانوني يمنح المحكوم عليه الحق في محو سجله الجنائي واستعادة حقوقه كاملة. ويهدف هذا النظام إلى التخفيف من الآثار الاجتماعية المترتبة على الأحكام الجنائية، حيث يعاني المحكوم عليهم من نظرة المجتمع لهم باعتبارهم مجرمين، ما يحد من قدرتهم على العودة إلى حياة طبيعية أو الحصول على عمل شريف.
القانون المصري وضع ضوابط صارمة لتحقيق رد الاعتبار، حيث يتم منحه للمحكوم عليهم الذين أثبتوا حسن السلوك، ومن ثم تمكينهم من العيش كأفراد صالحين في المجتمع.
إجراءات طلب رد الاعتبار
وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية المصري، يتطلب طلب رد الاعتبار تقديم عريضة إلى النيابة العامة، تتضمن:
- البيانات الشخصية للمحكوم عليه.
- تفاصيل الحكم الصادر بحقه.
- أماكن إقامته منذ صدور الحكم.
تقوم النيابة العامة بإجراء تحقيق شامل حول سلوك المحكوم عليه ووسائل ارتزاقه، وترفع التقرير إلى المحكمة خلال ثلاثة أشهر من تقديم الطلب. يتم بعدها نظر الطلب في جلسة مغلقة، ويمكن للمحكمة سماع أقوال الطرفين قبل الفصل في الطلب.
شروط رد الاعتبار القضائي
- تنفيذ العقوبة بالكامل: ويشمل ذلك السجن والغرامات والتعويضات المالية.
- وفاء الالتزامات المالية: يجب أن يسدد المحكوم عليه أي غرامات أو تعويضات مترتبة على الجريمة.
- مرور فترة زمنية محددة: تختلف الفترة وفقًا لنوع الجريمة، حيث تتطلب الجنايات 6 سنوات بعد تنفيذ العقوبة، بينما تتطلب الجنح 3 سنوات، مع مضاعفة هذه المدد في حالات العودة للجريمة.
رد الاعتبار القانوني
على عكس رد الاعتبار القضائي، يُمنح رد الاعتبار القانوني تلقائيًا بعد مرور فترة زمنية معينة دون ارتكاب جرائم جديدة. وتنص المادة 550 من قانون الإجراءات الجنائية على أن رد الاعتبار يُمنح للمحكوم عليهم بعقوبة جناية بعد مرور 12 عامًا من تنفيذ العقوبة أو سقوطها بمضي المدة، بينما تُخفض هذه المدة إلى 6 سنوات في حالة الجنح.
رد الاعتبار التجاري
يمتد مفهوم رد الاعتبار ليشمل أيضًا التجار المفلسين، حيث يتيح لهم استعادة حقوقهم وسمعتهم التجارية، ويُعامل الإفلاس وكأنه لم يكن، مما يمكنهم من العودة إلى ممارسة نشاطهم التجاري بشكل طبيعي.
الآثار المترتبة على رد الاعتبار
وفقًا للمادة 552 من قانون الإجراءات الجنائية، يؤدي رد الاعتبار إلى محو الحكم القاضي بالإدانة، ويترتب عليه زوال كافة الآثار الجنائية المترتبة على الحكم، بما في ذلك الحرمان من الحقوق السياسية والمدنية.
دعوات لإجراء تعديلات تشريعية
ورغم أهمية نظام رد الاعتبار، إلا أن هناك مطالب بإجراء تعديلات تشريعية تستثني جرائم القتل العمد وجرائم إهدار المال العام من أحكام رد الاعتبار، حفاظًا على سلامة المجتمع وضمانًا للعدالة.
كلمة أخيرة
“رد الاعتبار” ليس مجرد نص قانوني، بل هو فرصة حقيقية تمنح الأمل لمن أخطأ وسعى للتغيير، كما أنه وسيلة لدمج الأفراد التائبين في المجتمع وتمكينهم من الإسهام في بنائه من جديد. تحقيق هذا الهدف يضمن استقرارًا اجتماعيًا وعدالة إنسانية، ويثبت أن العدالة ليست فقط في العقاب، ولكن أيضًا في منح فرصة ثانية.